الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

بليـــغ النَّغـــم (2)

بقلم: سيمون عيوطي

سيمون عيوطي
نُشر: 02/03/21 15:12,  حُتلن: 16:30

بليـــغ النَّغـــم:  قراءة جديدة في تجربة بليغ حمدي الفنيَّة والانسانيَّة(2) - (حرب بليغ حمدي ونجاة الصغيرة والسبب "حُبِّ إيه")

بليغ حمدي، 1932، 1993، لفت إليه الأنظار كملحِّن موهوب؛ من اللَّحن الأوَّل الذي أبدعه لأغنية "ليه يهجر ليه"، للمطربة فايدة كامل سنة 1954، ومن ألحانه الأولى المشهورة أيضًا، كان لحنه لأغنية "ما تحبِّنيش بالشَّكل ده"، صدحت به المطربة فايزة أحمد في نفس السَّنة. أمَّا ألحانه التي توالت بعد ذلك لعدد آخر من المطربين والمطربات، أكَّدت لأهل الفن، وللمهتمِّين عامَّة، على أنَّ هذا الفتى اليافع صاحب موهبة خارقة، ذات نكهة فنيَّة خاصَّة، تختلف عن الَّذين سبقوه من الملحِّنين المصريِّين والعرب. بَيْدَ أنَّ اللحن الذي أهَّله لأن يضع قدمه على عتبة جنَّة الموسيقى والتَّلحين بشكل بارز، كان تلحينه لأغنية "تخونوه" التي عنَّاها عبد الحليم حافظ في فيلم "الوسادة الخالية" سنة 1957. *
انتشار الألحان التي أنتجها هذا الفنَّان الصَّاعد، والنَّجاح الذي رافقها على الصَّعيدين، الإذاعيّ والشَّعبيّ، شجَّعته على المضيّ قدمًا في جنَّة الفنّ التي فتحت له "عبقر" أبوابها لكي يواصل عمله في الإبداع والتَّألق. استهوته الجنَّة، وراح يبحث في أجوائها عن حوريَّةٍ ذات صوت غنائيٍّ، ملائكيٍّ، يتجاوب مع ما يداعب خياله من إيقاعات ونغمات تصدح بها، تُشنِّف الآذان، وتطرب القلوب، فوجد في نجاة الصَّغيرة ضالَّتهُ. لحَّن لها خلال فترة قصيرة نسبيًا أكثر من ستّين أغنية، منها: "وبوسط الطَّريق"، و"أنا بستنَّاك"، وقد أدهشه أنَّ هذه المطربة استطاعت أن تُجسِّد بصوتها الحالم العذب تماهيًا كاملًا مع ألحانه حين تشدو بها، تسحر الألباب، ولم يزل صوتها بألحانه يجذب جمهورًا واسعًا من مختلف الأماكن والفئات.
نستطيع القول: إنَّ التَّعاون بين الثُّنائي بليغ ونجاة منذ اللقاء الأول الذي جمعهما في أغنية "مش هاين أودَّعك"، كلمات مأمون الشِّناوي. غنَّتها أوَّل مرة في حفل أضواء المدينة في القاهرة، سنة 1962، شجَّع نجاة على أن تعتمد على ألحان بليغ اعتمادًا كاملًا، حتَّى بتنا نجد أشرطة لها لا تحمل إلا توقيعه، مثل ألبوم "سهران يا قمر"، سوى أغنية واحدة فقط في هذا الشَّريط، وهي أغنية "اطمّن"، لحَّنها صلاح الشَّرنوبي.
عن هذا التَّعاون يصرّح بليغ لإحدى وسائل الإعلام، إنَّ تعاونه المثمر مع نجاة، ساعده على إطلاق موهبته في كتابة نصوص الأغاني، فقد كتب لها عدَّة أغنيات يعتزُّ بها، أهمُّها: "سارقين النوم" حيث كان هو أيضًا قد صدح بها في حفل أقيم بالكويت منتصف الثَّمانينيَّات.
من جانبها، فإنَّ نجاة لم تُخفِ ارتياحها لشدوها أغنيات من تلحين بليغ، وقد لاحظ بعض النقَّاد أنَّ صوتها يتجلَّى بألحان بليغ الذي عرف كيف يستغل امكانيَّاته بشكل يجعلها تغنِّي بطلاقة تُظهر مقدرتها على التَّلوين والتَّطريب، وتُبيِّن تمكّنها من التَّلاعب بالنَّغمات بعفويَّة، وعذوبة تسحر الجُّمهور، وتأسر شغافه.
"أنا بستنَّاك" مثلًا:



المستهجن في هذه الحالة هو أن تتحوَّل نجاة، هذه المغنية الرَّقيقة، المُلقَّبة ب "عصفورة الغناء" من المدح إلى القدح، إذ وصفت "بليغ" في لقاء صحافيّ أجريَ معها: "ناكر جميل، لا وفاء عنده"، وأضافت: "وجدت فيه الشَّخص الذي أنكر وقوفي إلى جانبه في بداية مشواره، بل وبفضلي اشتهر في الأوساط الفنيَّة"، وقالت: "لولا قبولها غناء ألحانه، لما سمع به أحد، وكان لا يزال تائهًا في دنيا الملحِّنين الذين يتسكَّعون في دهاليز معهد الموسيقى العربيَّة.
لم تقف في هجومها عند هذا الحد، بل تابعت تقول: "إنَّ الفضل في تطوير بليغ لموسيقاه يرجع لها "أنا من جعلته يتخلَّص من عقدة السُّنباطي".
إزاء تلك الادِّعاءات، فإنَّ بليغ لم يلتزم الصَّمت، بل توعَّدَ بأن يُري لنجاة حجمها الحقيقي.
حول ذلك كتبت الإعلاميَّة نهى حمدي في "صدى البلد"، "كان هذا الخلاف بين الملحِّن والمطربة؛ سببه أوَّل أغنية قدَّمها بليغ لكوكب الشَّرق أم كلثوم، وهي "حُبِّ إيه"، تقول: "النَّجاح الكبير والمذهل الذي حقَّقته هذه الأغنية؛ أشعل فتيل الغضب بينهما، حيث شعرت نجاة بأن بليغ لم يعد هو الملحِّن الخاص بها، ولن يقدّم لها أي جديد".
وبحسب نفس المصدر: فإنَّ (حرب الكلام وصلت إلى أفعال عنيفة من الطَّرفين. نجاة قامت بشطب اسم بليغ من قائمة الملحِّنين المُقتَرَحين لتلحين أغاني فيلم "7 أيام في الجنة". ما فعلته وصل إلى مسامع بليغ... فلم يهدأ إلاَّ بعد أن ردَّ لها الصَّاع صاعين، حيث أخذ يهاجمها... فما كان منها غير أن تقاطعه، وتقسم بأن لا تغنِّي مطلقًا الأغاني التي لحَّنها لها، الجديدة منها والقديمة على حد سواء، أمَّا هو فقد توجَّه نتيجة لذلك إلى شركة أسطوانات "صوت الفن"، طالبًا من القيمين عليها تجميد جميع الأغاني التي سجَّلتها نجاة من ألحانه للشَّركة، فكانت تلك هي القشَّة التي قسمت ظهر نجاة فنيًا وماديًا."

(يتبع)

*لهذه الأغنية حكاية طريفة وقعت بين بليغ وحليم وليلى مراد، سأتوقَّف عندها لاحقًا.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.com

مقالات متعلقة